الهدنة وصفقة التبادل: فشل الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة

الإثنين 27 تشرين الثاني 2023
وسط المباني المدمرة في حي الزهراء في اليوم الثالث من الهدنة. تصوير محمود حمص. أ ف ب.

حددت «إسرائيل» أهداف عدوانها على قطاع غزة، بإطلاق سراح الأسرى، والقضاء على حماس، بما يشمله ذلك من تدمير للأنفاق وتفكيك لقدرات الحركة، وضمان حرية الحركة لجيش الاحتلال في القطاع. وعلى مدار أسابيع كانت القناعة الأساسية في تل أبيب، أن تحقيق هذه الأهداف سيحدث بطريقة عسكرية، مما دفع نتنياهو وقادة الجيش إلى الدفع باتجاه العملية البرية، رغم طلب الولايات المتحدة الأمريكية، تأجيلها من أجل إعطاء فرصة للمضي قدمًا في صفقة تبادل.

لكن وبعد أقل من شهر، وافقت «إسرائيل» على الدخول في مفاوضات مع حركة حماس، من أجل التوصل إلى اتفاق هدنة وصفقة تبادل، بعدما انهار التصور الإسرائيلي الأولي حول قدرة الجيش على تحقيق نجاحات سريعة أو فعلية في غزة.

في مجلس كابينت الحرب الإسرائيلي كان الانقسام الأساسي بين بنيامين نتنياهو، الذي لم يفضل عقد صفقة تبادل، وذلك لأنه لم يرد وقف العدوان وإدخال المساعدات، ولعدم حسمه الكثير من القضايا في نقاشه مع الإدارة الأمريكية، مثل ما يوصف بـ«اليوم التالي» وقضية دخول المساعدات الإنسانية وإمكانية توسيع العملية البرية تجاه الجنوب والعدد الكبير من الضحايا في غزة وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، ووزير الأمن وقادة الجيش وجهاز الشاباك، الذين ترددوا في الموافقة على صفقة تبادل، وذلك من أجل عدم «إحباط الزخم العسكري وتكثيف الضغط على حماس».

وعلى الجانب الآخر، اتخذ بيني غانتس وغادي آيزنكوت ورئيس الموساد ديفيد برنياع، موقفًا مختلفًا، تعلق بضرورة الموافقة على صفقة تبادل، و«اغتنام أي فرصة لعقدها». ولم يتغير الموقف الكلي باتجاه الموافقة على الصفقة، إلّا بعد دعم الجيش ووزير الأمن والشاباك للصفقة، مما دفع نتنياهو إلى حسم خياره والمضيّ بها. ومع المضيّ بالصفقة يمكن القول إن الحكومة الإسرائيلية تراجعت عن الأهداف التي وضعتها منذ بداية العدوان، ولو مرحليًا.  

تشير التحليلات الإسرائيلية، إلى أن الصفقة كانت ضرورية على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، باعتبار أن تأخيرها سوف يسهم في تراجع «المناعة الوطنية الإسرائيلية» و«الإجماع الإسرائيلي» على استمرار الحرب، وبسبب «الجمود» الحاصل في العدوان العسكري وعدم قدرته على تحقيق أي تقدم.

وتدور التقديرات الإسرائيلية، في العموم، حول أن الهدنة وصفقة التبادل، ستكون فرصةً لحركة حماس من أجل إطلاق «الحرب النفسية»، بالإضافة إلى إعادة ترتيب صفوفها، وزيادة الضغوط على «إسرائيل» من أجل الانتقال إلى وقف إطلاق نار دائم. وبناءً على هذه المخاوف، انشغل المستوى السياسي والأمني في «إسرائيل»، بدايةً من نتنياهو، وصولًا إلى وزير الأمن ورئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، بالتأكيد على استمرار العدوان ما بعد نهاية الهدنة. كما حاولت التحليلات العسكرية الإسرائيلية، الحديث عن أن الهدنة، ستسهم في وضع خطط للجيش من أجل توسيع العدوان تجاه جنوب القطاع أو وسطه، رغم أن موقف المؤسسة العسكرية ورفضه لوقف إطلاق النار ارتبط بالحديث عن إيقاف، ما وصف بـ«الزخم القتالي».

إحدى المسائل التي برزت في النقاشات الإسرائيلية، اعتبار وقف إطلاق النار فرصة لحركة حماس كي تنشر المزيد من المواد المرتبطة بالحرب النفسية، وفي هذا السياق، قال المعلق العسكري لصحيفة هآرتس: «لا يمنع الاتفاق إمكانية أن تحاول حماس استخدام المزيد من حيل الحرب النفسية ضد الجمهور الإسرائيلي، وتعميق الأزمة ومفاقمة الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي. ويجب الافتراض أنه ستكون هناك محاولات أخرى للخداع والتسبب في الذعر»، وفق قوله. وتحدث الصحفي الإسرائيلي رون بن يشاي، عن أن الأيام المقبلة من الهدنة «ستكون مرهقة للأعصاب بطريقة تخدم حماس جيدًا، وأحد أهدافها هو تعميق الانقسام».

فشل الاستراتيجية الإسرائيلية

تعبّر صفقة تبادل الأسرى والهدنة، عن فشل الاستراتيجية الإسرائيلية، التي حاولت فرضها بالنيران على قطاع غزة، وتحقيقها بأكبر قدر من الضحايا والدمار. إذ عُرضت صفقة تبادل الأسرى، بما تتضمنه من هدنة وإدخال للمساعدات، بالشكل نفسه قبل أسبوع من الموافقة عليها، وبالخطوط العريضة ذاتها قبل شهر، وهي الصفقة التي رفضها نتنياهو وغالانت وكبار ضباط جيش الاحتلال، وكان اعتقادهم، وفق المعلق العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هارئيل: أن «المضي قدمًا في العملية بكامل طاقتها، وتوجيه ضربات إضافية لحماس سيساعد على إجبار السنوار على تقديم تنازلات أكبر في المفاوضات»، وهو التصور الذي لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من فرضه على غزة والمقاومة الفلسطينية.

من جانبه، يرى الصحفي الإسرائيلي البارز ناحوم برنيع: أن «الصفقة، المبنية على نبضات؛ وقف إطلاق نار يتبعه وقف إطلاق نار آخر ووقف إطلاق نار آخر، تجعل العمل البري المستمر والفعال صعبًا، وتعطل الخطط، وتخلق إحباطًا بين القوات بسبب التوقف في المكان وضغطًا في الميدان وفي الخلف لتسريح الاحتياط. هذه ليست صفقة، إنها ابتزاز، إنها إكراه. ليس هناك مجال لهتافات النصر، ولا حتى التلميح. والادعاء الذي نشأ عن كلام نتنياهو وكأن إسرائيل حققت إنجازًا كبيرًا في المفاوضات بعيد كل البعد عن الحقيقة. هي نفس الصفقة التي اقترحت في الأسبوع الأول من الحرب، مع تغييرات طفيفة. لقد انحنت إسرائيل قليلًا؛ لقد تراجعت حماس قليلًا. لكن بشكل عام، حصل السنوار على ما أراد».

تعبّر صفقة تبادل الأسرى والهدنة، عن فشل الاستراتيجية الإسرائيلية، التي حاولت فرضها بالنيران على قطاع غزة، وتحقيقها بأكبر قدر من الضحايا والدمار.

إضافة لهذا، يتحدث العديد من الإسرائيليين عن أن الهدنة ستمكّن حماس من إعادة تنظيم نفسها مرةً أخرى، تحديدًا من ناحية عسكرية، فضلًا عن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بعد أسابيع من الحصار الإسرائيلي. 

احتمالية تمديد الهدنة لعشرة أيام، يقول الصحفي في يديعوت أحرنوت رون بن يشاي، قد تكون فرصة لتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، و«إذا أصبح وقف إطلاق النار دائمًا، سوف يعتبر ذلك انتصارًا لحماس طوال الوقت. والردع الإسرائيلي سيتلقى ضربة قاتلة يمكن وصفها بأنها تهديد وجودي».

من جهته يقول الجنرال احتياط في الجيش الإسرائيلي أمير أفيقي: «هذه المرة الأولى التي أشعر فيها أننا لن نتمكن من تحقيق أهداف الحرب، أعتقد أنهم علمونا درسًا من الأفلام، وهذا ليس لأنني لا أريد أن يعود المخطوفون، أنا أريد ذلك بشدة، ولكن ليس بهذه الصورة. أن نتوقف ونحن قبل لحظات من الحسم في شمال القطاع، فإن هذا يعتبر قرارًا صعبًا يشكّل خطرًا على حياة جنودنا، إنهم يتيحون لهم المجال ليعيدوا تنظيم صفوفهم في جباليا والشجاعية وفي كل الأماكن، لقد كلفتنا هذه القصة كثيرًا، لم أكن لأوافق على أي تهدئة قبل أن نسيطر على شمال قطاع غزة بشكلٍ تام».

والتخوف من توقف الحرب، يطال الجيش الإسرائيلي برمته، الذي يعتقد أن تمديد عدوانه على جنوب قطاع غزة، سيكون صعبًا ما بعد الهدنة، وستتقلص العملية البرية. الأمر الذي يشير إليه الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك الإسرائيلي يعكوف بيري قائلًا: «عندما تتوقف الحرب، يكون من الصعب إحياء الزخم».

غزة لم تستسلم

وفق كافة التقديرات، فإن الحرب بعيدة عن الحسم، و«إسرائيل» لم تحقق أي هدف لها. وفيما يتعلق بهدف الحرب الأساسي «تفكيك حماس»، قال المعلق العسكري لصحيفة هآرتس: «حماس ككل لم تستسلم، ومن الواضح أن قيادتها بعيدة كل البعد عن الاستسلام».

ومع كل هذه التقييمات، فإن صفقة تبادل الأسرى والهدنة، تشير إلى أن الهدف الإسرائيلي بالمس في قدرة حماس بشكلٍ كبير لم يتحقق، إذ استطاعت الحركة التوصل إلى صفقة تبادل أسرى تمكنت خلالها من فرض شروطها المتعلقة بالهدنة وإيقاف الطيران المُسيّر وإدخال المساعدات، وعملت على إيقافها باليوم الثاني من الهدنة مع تنصل الاحتلال من من تنفيذ بنود الصفقة بالشكل المتفق عليه. 

التخوف من توقف الحرب، يطال الجيش الإسرائيلي برمته، الذي يعتقد أن تمديد عدوانه على جنوب قطاع غزة، سيكون صعبًا ما بعد الهدنة، وستتقلص العملية البرية.

هناك، في المجتمع الإسرائيلي، مقاربة ترى في هذه الهدنة «لحظة انتصار لحركة حماس»، ويعود ذلك إلى إدارة الحركة للهدنة، التي تظهر فاعلية حضورها في القطاع، وقدرتها على تنسيق عمليات إطلاق سراح الأسرى، وتمكنها من تحقيق وقف إطلاق النار بشكلٍ كامل ومتزامن، مما يشي بأن العملية العسكرية الإسرائيلية فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية أو تلك التي تتعلق بفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه.

ومع تواصل فشل الضغط العسكري الإسرائيلي، بتحقيق أهداف العدوان على غزة حاولت شرطة الاحتلال قمع أي مظاهر للاحتفاء بالأسرى المفرج عنهم في صفقة التبادل، بعد أن أمر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتغطية حافلات الأسرى، من أجل منع ظهور أي «صورة للنصر».

ومع تواصل وقف إطلاق النار، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، عن جنود جيش الاحتلال في غزة «الممنوعين من التحرك [للأمام]، والذي يحرسون أنفسهم»، قولهم إن «عناصر المقاومة تخرج أمامهم، وتتحرك في شمال في قطاع غزة، وفي مرة قاموا بأخذ العلم الإسرائيلي، الذي رفعه الجنود بغزة، وقاموا بتمزيقه»، وفي الشمال نفسه الذي لا يترك أي مسؤول إسرائيلي فرصة للتذكير بالسيطرة عليه، نُفّذت المرحلة الثالثة من عملية تبادل الأسرى.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية